على ابواب يافا
للشاعرة فدوى طوقان
لم تغادر فدوى طوقان نابلس بعد نكسة 1967 ، بل بقيت في بلدها تقاوم بالكلمة الشريفة الحرة الحلوة عن آلام شعبها وفي تاريخ 4/3/1968 زارت شاعرتنا مدينة حيفا وهناك كتبت هذه القصيدة النثرية الرائعة :
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور .
بين الردمِ والشوكِ
وقفتُ وقلتُ للعينين :
قفا نبكِ
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار
وأنّ القلبُ منسحقاً
وقال القلب : ما فعلتْ ؟
بكِ الأيام يا دارُ ؟
وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي ، هل
جاءتك أخبارُ ؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغدِ الآتي
فأين الحلم والآتي وأين همو
وأين همو؟
ولم ينطق حطام الدار
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو
وصمت الصَّمتِ ، والهجران
وكان هناك جمعُ البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوّم في حواشيها
يمدُّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان.. وكان..
وغصّ القلب بالأحزان
* **
أحبائي
مسحتُ عن الجفون ضبابة الدمعِ
الرماديهْ
لألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمان
بكم، بالأرض ، بالإنسان
فواخجلي لو أني جئت القاكم –
وجفني راعشٌ مبلول
وقلبي يائسٌ مخذول
وها أنا يا أحبائي هنا معكم
لأقبس منكمو جمره
لآخذ يا مصابيح الدجى من
زيتكم قطره
لمصباحي ؛
وها أنا أحبائي
إلى يدكم أمدُّ يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إِلى الشمسِ
وها أنتم كصخر جبالنا قوَّه
كزهر بلادنا الحلوه
فكيف الجرح يسحقني ؟
وكيف اليأس يسحقني ؟
وكيف أمامكم أبكي ؟
يميناً ، بعد هذا اليوم لن أبكي !
* **
أحبائي حصان الشعب جاوزَ –
كبوة الأمسِ
وهبَّ الشهمُ منتفضاً وراء النهرْ
أصيخوا ، ها حصان الشعبِ –
يصهلُ واثق النّهمه
ويفلت من حصار النحس والعتمه
ويعدو نحو مرفأه على الشمسِ
وتلك مواكب الفرسان ملتمَّه
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق ومنْ
دم المرجان تسقيهِ
ومن أشلائها علفاً
وفير الفيض تعطيهِ
وتهتف بالحصان الحرّ : عدوا يا
حصان الشعبْ
فأنت الرمز والبيرق
ونحن وراءك الفيلق
ولن يرتدَّ فينا المدُّ والغليانُ –
والغضبُ
ولن ينداح في الميدان
فوق جباهنا التعبُ
ولن نرتاح ، لن نرتاح
حتى نطرد الأشباح
والغربان والظلمه
* **
أحبائي مصابيحَ الدجى ، يا اخوتي
في الجرحْ ...
ويا سرَّ الخميرة يا بذار القمحْ
يموت هنا ليعطينا
ويعطينا
ويعطينا
على طُرقُاتكم أمضي
وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني
وفي أرضي
وأزرع مثلكم عينيَّ
في درب السَّنى والشمسْ
إلى روح الشعر وشدو فلسطينَ ...إلى الراحلَة فدوى طوقان ....."
***
سلامٌ على عيبالَ ما انطفأ السراج ْ
سلام ٌ على عيبالَ ما اشتعلَ الحنين ْ
سلام ٌ على جرزيمَ ما ارتحلَ النّهار ْ
سلام ٌ على جرزيم َ ما اختلجَ الأنين ْ
سلام ٌ على فدوى
سلامٌ لعهدِ الياسمين ْ
سلام ٌ لروح ِالطيّبين ْ
سلام ٌ على حارات ِ نابلسَ البعيدة ْ
سلام ٌ على الباذان ِ مشتعلاً بنار ْ
سلام ٌ على باب ِ الجدار ْ
سلام ٌ على لحن ِ الرَّحيل ْ
سلام ٌ على دمع ِ الشفق ْ
سلام ٌ على دمع الشفق ْ......
***
على باب ِ يافا يا أحباءُ موعدٌ
وعهدٌ بعيدٌ ما ارتحلْ
على بابِِ يافا قبلتان ِمنَ الفراقْ
ونبضٌ لها منَ زيزفونَ وزعفرانْ
وجسرُ عبور ٍ منْ مقل ْ
على باب ِ يافا ما تركناه ُ بيننا
وما قد بنينا من أملْ
على باب ِ يافا ما حصدنا وما احترق ْ.....
***
وعدنا إذا الميعادُ قامَ من السياج ْ
فهل عادَ فينا ما انطلق ْ ؟!
وما قد بذرنا منذ ُ قامَ حصانُنا
وأمسى لنا غصن ٌ يعلِّمنا الهوى
ويستلُّ جرحاً لا يهدِّدُهُ الأرق ْ !
نعم ها هوَ الميعادُ قام ْ
وغنّتْ لنا الكثبانُ قافلة ََالوجع ْ
فماذا وجدنا غيرَ قتل ِ حصاننا
وماذا تلونا غيرَ خاتمة ِ الغرق ْ.......؟!
***
لماذا صلاة ُالخائفينْ ؟!
لماذا غيوم ُ الواقفين ْ ؟!
وقفنا على باب ِ الخيام ْ
نظرنا إلى وجهِ الشراعْ
ولكننا أختاهُ عذَبنا الخطاب ْ
فعدنا إلى خيماتنا نلدُ الشموع ْ
وضاعَ الذي زفّوا إليه ِ كتابنا
بكى عندنا وجه ُ القمرْ
مضى مسرعاً ركبُ الحمام ْ
مضى قبلَ أن يهدي الخشوعْ
فضاعَ الهديلُ واختنقْ .........
***
غزانا السؤالُ واستخفَّ جوابنا
فماذا ترانا سوفَ نحسنُ من عويلْ
وماذا سنخفي من رقاع ْ ؟!
رحلتِ سريعاً قبلَ أن يقفَ الصهيلْ
وقبلَ توابيت ِ النخيل ْ
وقبلَ سقوط ِ المستحيل ْ
تراك ِ خشيت ِ ما سيغدو مناسبا ً
لكلِّ الوجوه ِ من طقوسْ ؟!
وهلْ غيَّرَ البحرُ الحروفْ !
فليسَ الذي أبقيت ِمن صخب ِ الدليلْ
وليسَ الذي أخفيتِ من نزق ِ الفؤوسْ
ولا ما حملت ِ للخزانةِ من ورق ْ........
***
إلى موكبِ الزيتون ِ ضمّي سلامنا
وقولي لهم عادوا فراشاً
ولكنْ إذا مرَّ السراب ْ
وماتَ أبناءُ الخراب ْ
وحنَّت إليهم ْ ساعة ُ الفلق ِ العجيب ْ
وعادَ سفيرُ البحرِ في الباب ِ أعشاشا ً
نما بينهم عصفورُ حنّاءَ منتفضاً
وطارَ بأضلع ٍ لها نفّسُ الترابْ
وشقَّ بروحه ِ إليكم طريقه ُ
وعادَ متيّما ً كما كانَ في العشق ِ انطلق ْ.....
***
خذينا إلى عزف ِ الحقول ْ
خذينا إلى بردِ النزول ْ
خذينا إلى شعر ٍ يردَّدُ لا يهون ْ
خذينا إلى عصر ِ الخيولْ
يتامى تركت ِ فارجعي لقصيدة ٍ
ببابِ المسيح ِ واغفري خطرَ الأفولْ
على وجنتيك ِ يا فداءُ سلامنا
محبة ُ فيضنا
وردُ صيامنا
وسلَّةُ مسك ٍ لا يذوبُ ولا يخون ْ
وطوقٌ من العشق ِ القتيلْ
ونورٌ وأنفاسُ المزونْ
سلام ٌ على رؤياك ِ ما استبقَ الوصول ْ
سلام ٌ على مسرى البتولْ
سلام ٌ مقيم ٌ بينَ أجنحنا افترق ْ......********************